بسم الله الرحمن الرحيم

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 27 نوفمبر 2010

حوار مع الشيخ محمد بن شاكر الشريف حول السياسة الشرعية

حوار شبكة الألوكة مع الشيخ محمد بن شاكر الشريف حول السياسة الشرعية

يخوضُ الكثيرون هذه الأيَّامَ في مَعْمعة السياسة، ويتحدَّثون عن أدبيَّاتها، وعن دهاليزها، وعن (اللعبة السياسية)، والنضال السياسي، وما شابه ذلك.
غير أنَّ لدَى المسلمين منهجًا إسلاميًّا فضيلاً أصيلاً، وهو (السياسة الشرعيَّة)؛ إذ مَن تبحَّر في هذا العلم أدْرَك حقيقةَ سَعة الفقه الإسلامي وشموليته، وكَماله وتمامه، وليس كما يزعُم بعضُ المرجفين مِن العلمانيِّين والليبراليِّين، وبعض المنهزمين من المسلمين أنَّ ما جاء في فِقه السياسة الشرعيَّة ليستْ إلاَّ عموميات وشكليات مع بعضِ النظريات والقوانين، لكنَّها بنظرهم لم تدخُل في شتَّى الجوانب الإداريَّة للدولة الإسلاميَّة، والتي لم يكنْ لها فيها كلمةُ فصْل؛ مِمَّا أدَّى لتزعزُعِ بعض الناس في الأخْذ بالسياسة الشرعيَّة، وتفضيل السياسات الوضعيَّة الغربيَّة عليها.
ونحن في هذا الحوارِ مع الشيخ محمد شاكر الشريف - حفظه الله وشَفاه - نحاول أن نُدلج إلى هذا الباب مِن أبواب الفقه الإسلامي؛ لكي يُبحرَ بنا في شيءٍ مِن أُسسها وأمورها التي تهمُّ كل مسلِم.
وسيكون الحوارُ معه حولَ العديد مِن القضايا في فقه السياسة الشرعية، باعتباره متخصِّصًا في ذلك، وله زاوية خاصَّة به في مجلة البيان مِن خمس سنوات حولَ هذا الموضوع.
والشيخ محمَّد باحث شرعي، وكاتب بمجلة البيان الإسلامية وغيرها، وله العديدُ مِن التصانيف الرائِعة، مثل "إن الله هو الحكم"، و"تجديد الخِطاب الديني"، و"نحو تربية إسلامية راشِدة"، وله عِدَّة موضوعات في التقرير الارتيادي (الإستراتيجي) لمجلة البيان.
• • • •

س1) نريد نبذةً مختصرة عن الشيخ محمَّد بن شاكر الشريف؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسوله محمَّد، خيرِ خَلْقه وأفضلهم:
اسمي محمَّد بن شاكر الشريف الطباطبي الحسني، مِن ذُريّة الحسن بن علي - رضي الله تعالى عنهما - مضَى من عمري 59 سَنة ميلادية، وحاصِل على درجة الليسانس في اللُّغة العربية والعلوم الإسلامية، ودرجة البكالوريوس في الهندسة الإلكترونيَّة والاتصالات، عملتُ بالتدريس، ثم الإدارة في أحدِ كبريات المدارس الأهليَّة في مكَّة المكرَّمة، منذ عام 1410 هـ، وحتى عام 1424 هـ، وانتقلتُ بعدَ ذلك للعمل في مجلة البيان.

متزوِّج، ورزقني الله تعالى الذريةَ مِن البنين والبنات، أسأل الله تعالى أن يحفظَهم ويبارِكَ فيهم.

مُسجِّل لدرجة الماجستير منذ أكثر مِن 25 سنة، لكنَّني انشغلتُ عنها بتأليف بعضِ الكتب حتى خرَج وقتُها المسموح به، رغمَ انتهائي مِن أكثر مِن نصف الرَّسالة، وهي بعنوان: "الأحزاب في النِّظام السياسي الإسلامي - دِراسة فقهية"، تحت إشراف العلامة الجهبذ الشيخ الدكتور محمَّد بِلْتاجي حسن - رحمه الله تعالى - عميد كلية دار العلوم الأسبق، ورئيس قسم الشريعة بها، ولي رغبةٌ في إكمال هذا المؤلَّف فيما يُستقبل مِنَ الأيام، أسأل الله تعالى أن ييسِّر ذلك ويُعين عليه.

وبهذه المناسبة أحبُّ أن أُنبِّه أنني وقفتُ على بعض مواقع الشبكة العنكبوتية تضَع أمامَ اسمي لقبَ دكتور، وهذا غيرُ صحيح، بل وقَع فيه بعضُ الفضلاء الأخيار كفضيلةِ الشيخ العلامة الدكتور صالح الفوزان - حفظه الله - فعندَما قدَّم لرِسالتي "أسلمة الديمقراطية حقيقة أم وهم"، نَعَتَني بهذا اللَّقب، وشهاداتي الأكاديمية لم تزدْ على الليسانس، أو البكالوريوس؛ لذا لزم التنبيه.

2) لديكم عنايةٌ حقيقيَّة بمجال السياسة الشرعية، مع أنَّ دراساتكم الأكاديميَّة لم تكن في هذا الإطار، فما سببُ اهتمامكم بهذا المجال؟
• الحقيقة أنَّ سببَ العناية بمجالِ السياسة الشرعيَّة هو سببٌ إيماني، وذلك أني وجدتُ كثرةً كاثرة من المتحدِّثين في هذا المجال دائمًا ما يشيدون بالديمقراطيَّة، ويَدْعُون إليها، ويُطالبون بتعميم نموذجها، ويذكرون أنها التطبيقُ الأمثل للشورى، وأنَّها الحل الأمثل لمشكلات الطغيان والاستبداد، الذي تُعاني منه كثيرٌ من المجتمعات المسلِمة، فكنتُ أقول في نفْسي: إنَّ الله تعالى أنْزَل لنا كتابًا جعَل فيه الهداية، وأرسل لنا رسولاً أقام للإسلام دَولتَه، فهل يتركُنا الله بعدَ ذلك بغير هداية في هذا الباب عِدَّة قرون حتى يُقيمَ الغرب نموذجَه الديمقراطي وننقُلَه عنه؟!

وكنتُ أُردِّد في نفسي: كيف يستقيمُ هذا مع قوْل أبي ذر - رضي الله تعالى عنه -: "لقد تركَنَا رسولُ الله وما طائرٌ في السماء يقلِّب جناحيه إلا وقد أوجدنا فيه عِلمًا"، فإقامة دولة الإسلام واجبةٌ، فكيف يكون شيءٌ واجب بينما طريقة تحقيقه في الواقِع لم يدلَّنا عليها، وإنما نأخذها ممَّا توصَّل إليه الكفَّار بعد عِدَّة قرون من الوجوب؟!

وقد قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما مِن نبيٍّ بعثَه الله في أمَّة قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدلَّ أمَّتَه على خير ما يعلمه لهم...))، مع أنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يدلَّنا على الديمقراطيَّة، ولم ينبهنا لها، فدلَّ ذلك على أنَّه لم يكن يَعْلَمها، ومِن ثَمَّ فهي ليستِ الخير الذي ينقص مجتمعاتنا.

وقلت: هل يستقيمُ في حسِّ المؤمن أن يهتديَ الكفَّار في سياسة المجتمعات، وكفِّ الظلم ومنْع الاستبداد، وليس معهم مِن هداية السماء شيءٌ، لِمَا لم يهتدِ إليه علماءُ المسلمين الذين معهم كتاب الله وسنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟!

كل هذا وأمثاله حفَّزني بشدَّة للبحث في هذا الباب ودِراسة مسائله، فكنتُ أقرأ كل ما وقع تحتَ يدي من ذلك قراءةً واعية ناقدة؛ استنادًا لذلك الملحَظ الإيماني الذي ذكرتُه.

3) برأيكم لو أردتُم رسْمَ منهجية لطالب العلم؛ لكي يبتدئَ في قراءة كتب السياسة الشرعيَّة منذ البداية حتى يصلَ للمرحلة المتقدِّمة، فماذا يمكن أن تُقدِّموا له في الوصول إلى ذلك؟
• الحقيقة أنَّني شخصيًّا لم أتَّبع خطَّة منهجية في البحْث في هذا الباب، ولعلِّي لو اتبعتُ خطة منهجية في ذلك كان مِنَ السَّهل عليَّ أن أنقُلها لكم، أما الآن فإنِّي أحاول أن أجتهدَ لكم في ذلك، خاصَّة وقد ورَدَني نحو هذا السؤال قبلَ ذلك، وكنت أتهرَّب من الجواب عنه، ويبدو الآن أنَّ الهروب لم يعدْ مِن الأمور المقبولة، فأقول:

كلُّ عِلم يحتاج في إتقانه إلى مقدرة ذِهنية متقدِّمة في الفَهْم والاستنتاج والاستنباط، وأحسب أنَّ هذا ينطبق بصورة واضحِة جدًّا على "السياسة الشرعية"، فليس المقصودُ هو حفظَ مسائل هذا العلم والقُدرة على استرجاعها عندَ الحاجة إليها، ولكن المقصود الأكبر هو القُدْرة على الفَهْم والغوص في النصوص والوقائع؛ لاكتشافِ العِلل غير الظاهرة بادي الرأي، وتحليل ما يبدو من ذلك، ثُمَّ الاستفادة مِن كل ذلك في بِناء النموذج المعرفي والتطبيقي، الذي يخدم القضايا موضوعَ البحث، لكن كل ذلك في حاجةٍ إلى:
1- علوم آلة خادِمة تُعين على ذلك وتساعده، فيَنبغي لمَن يريد التبحر في السياسة الشرعية أن يُحصِّل قسطًا علميًّا مناسبًا في العربية، وأصول الفقه، والفقه، والتفسير، والحديث، والتاريخ، ولا حدَّ لأكثره، وكلَّما كان التحصيل أكثرَ من هذه العلوم أدَّى إلى المزيد من الفَهْم للسياسة الشرعية.

2- اليقين الجازِم بعمومِ الشريعة وكمالها، وأنَّه لا تنزل بالمسلمين نازلةٌ إلا وفي شريعةِ الله الدليلُ على سبيل الهدى فيها.

3- لن يصلح آخِرُ هذه الأمَّة إلا بما صَلَح عليه أوَّلُها.

4- الشريعة كاملة، ومِن دليل كمالها عدمُ احتياجها إلى شيء من خارجها، ومِثل هذه القواعد تُوجَد لدَى المتلقي الثقة في تراث أهل السنَّة السياسي، وتعصم الدارسَ للسياسة الشرعية مِن الانسياق غير الواعي وراءَ كل جديد في عالَم الفِكر والسياسة.

ويحتاج الدارسُ بعدَ ذلك إلى مداومةِ الاطلاع في التراث السياسي لأهلِ السنَّة والجماعة، وهو تراثٌ حافل (نذكر هنا بعضه)، ثم على الدارس أن يحاولَ في مرحلة لاحِقة أن يقرأ كلَّ ما يمكنه قراءته منه مع الاستفادة مِن المتخصِّصين فيه ومراجعتهم ومناقشتهم فيما يُشكل عليه، ولا يَستغني الدارسُ عن مطالعة المؤلَّفات العصرية، لكن مع الاحتياط:

أ- حيث ينتقي من المؤلَّفات ما عُرِف عن مؤلفها التثبُّت وعدم الانجرارِ وراءَ كلِّ جديد، وكان منهجه في البحْث مرضيًّا، وهذا يظهر بتقديرِه للعلماء السابقين، وثنائه عليهم حتى وإنْ خالفهم، ولا يكون مِن الذين يتعلَّقون بغريب الأقوال.

ب- يَحْذر الذين يُقرُّون أو يَسوقون كلَّ منتج الحضارة الغربية في بابِ السياسة، حتى إنِ استدلَّ له بما يظن أنَّه دليل عليه.

أما الكتب التي يُمكن قراءتُها للتمكُّن في هذا العلم، فقد جمَع الشيخ الدكتور سعد بن مطر العتيبي - وفَّقه الله تعالى - عشرين كتابًا تحت مسمَّى: "كتب مهمَّة في تكوين الملكة الفقهيَّة السياسية" وهي موجودةٌ على الشبكة.

وفروع عِلم السياسة الشرعيَّة متعدِّدة، فمنها الكتب التي تَعتني ببيان الأحكام السلطانية، ومنها ما يعتني بالتاريخِ السياسي، ومنها ما يعتني بمواعظِ السلطة السياسيَّة، وغير ذلك، فيكفي الدارسَ في المرحلة الابتدائية أن يقرأَ كتابًا في كلِّ فرع، ولي دراسةٌ في ذلك بعنوان "قراءة في كتب السياسة الشرعية بين القديم والجديد"، وهي موجودة على صفحتي في (صَيْد الفوائد).

وعلى الدارسِ أن يكون له معرفةٌ بمواقع الشبكة العنكبوتية، التي تعتني بالسياسة الشرعيَّة، فيلج إليها، ويُطالع أبحاثها.

ولا يَستغني الدارس عن مطالعة الرُّدود المصنَّفة في الردِّ على الآراء الفاسدة، التي قيلت في النظام السياسي الإسلامي، ككتب الردِّ على مصنَّف علي عبد الرازق "الإسلام وأصول الحكم"، كالرد الذي أصدرتْه هيئة كبار العلماء في مصر، وكتاب الطاهر بن عاشور، وكتاب د/ ضياء الدين الريس، ففي هذه الردود فوائدُ كثيرة، تُمثِّل خلاصةَ أو زبدة أفكار القائمين بالردِّ، ومِن كتب الردود كتاب "تحطيم الصنم العلماني" لكاتب هذه السطور، وهو موجودٌ على صفحتي في (صيد الفوائد).

ومِن الكتب المفيدة في عرْض النظريات السياسية الإسلامية كتاب د/ضياء الدين الريس، وعنوانه "النظريات السياسية الإسلامية".

وممَّا يحسن بالدارس أن تكونَ له فترة يجمع فيها العِلم ويدرس مسائله (تُقدَّر بعدة سنوات)، ثم تعقبُها فترة يُنقِّح الأقوال والاختيار منها، ولا يحسن به أن يبدأَ في الاختيار والترجيح مع بدايةِ طلبه لهذا العلم، ولو اعتصمَ الدارس بمقولة للإمام أحمد يقول فيها: "إياك أن تذهبَ إلى مسألة ليس لك فيها إمام"، نفعتْه كثيرًا، وردَّتْه عن كثير من التصورات التي قد يظنُّ صوابها بينما هي في حقيقةِ الأمر ليست بشيء.

4) نرَى الكثيرَ من الناس يتقحَّمون مجالَ السياسة الشرعيَّة ويفهمونها أنَّها مجالٌ لفتح الذرائع في التعاملات مع الكفَّار والمشركين، فما الحدُّ الفاصل بين السياسة الشرعيَّة الحقيقيَّة وبين دعاوى البعض، وتمسُّكهم بأهدابِ السياسة الشرعيَّة، ولربما تكون أفهامًا خاطئة لهم؟
• السياسة الشرعيَّة ليس مِن معناها الانفلاتُ من الضوابط والقيود، وتجاوز الأحكام الشرعيَّة تحتَ دعاوى ومسميات ظاهرُها الرحمة والتيسير، وباطنها الفساد والانفلات، ومسمَّى العلم كافٍ في الردِّ على هؤلاء، فهي "سياسة شرعيَّة"، يعني سياسة متقيِّدة بالشريعة، وتدور في فلكِها، ولا تغادرها وإلاَّ لم تكن شرعيَّة، فليستِ السياسة الشرعيَّة بابًا مشرعًا؛ ليقولَ كلُّ أحد ما شاء مِن الأقوال بغير زِمام ولا خِطام.

5) ما أفضل الكتب التي تُرشِّحونها في فَهْم الفقه السياسي الشرعي على طريقةِ أهل السنة، لا سيَّما التي تشتمل على أفكار عمليَّة تطبيقيَّة، كما فعلتم في ذكر طريقِ اختيار أهل الحلِّ والعقد؟
• القول: إنَّ كتاب كذا أفضلُ كتاب أُلِّف في موضوع معيَّن مسألة ليستْ هينة أو يسيرة، لكن يمكن الدَّلالة على بعض الكتب المهمَّة في ذلك الشأن - من وِجهة نظري طبعًا - فمن ذلك:
• السياسة الشرعيَّة في إصلاح الراعي والرعية، لابن تيمية.

• غياث الأمم في الْتياث الظلم، للجويني.

• الطرق الحكمية، لابن القيم.

• السياسة الشرعية، لعبدالوهاب خلاف.

• النظريات السياسية الإسلامية، د/ضياء الدين الريس.

• مقدمة في فِقه النظام السياسي الإسلامي، لكاتب هذه السطور، وهي على صفحتي في (صيد الفوائد).

• أهل الحل والعقد صفاتهم ووظائفهم، د/عبدالله الطريقي.

• الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة، د/عبدالله بن عمر الدميجي.

6) ما سبب تأثُّر كثيرٍ من علماء ومفكِّري الإسلام بالمفاهيم الديمقراطيَّة، بل في مدَّة خلَتْ كانوا من أشدِّ الناس معارضةً لها وبِتْنا نرى حديثهم السياسي يدور في فَلكِها؟
• ربما يكون حالةُ الاستبداد التي تَحْياها مجتمعاتنا، والقسوة الشديدة التي تُقابِل بها الأنظمةُ الإسلاميِّين، وضعْف التأصيل في الفقه السياسي عندَ المتأثِّرين بالنظم الغربية، إضافة إلى ما تُحقِّقه الديمقراطية في بلاد الغرْب من مكاسب، كل ذلك أثَّر في كثير من الدعاة، وجعلهم متقبِّلين للديمقراطية، ومِن المنادين بها، يأملون أن يكون في تطبيقها مخرجٌ للأمة ممَّا هي فيه مِن ظلم واستبداد، لكن الديمقراطية لن تعطيَهم ذلك أبدًا، وشرح ذلك قد يطول، ورأيي في المسألة كاملاً أودعتُه في رِسالة "أسلمة الديمقراطية حقيقة أم وهم".

لكن نقول باختصار: إنَّ أكثرَ الدول ديمقراطيَّةً على مدار التاريخ هي أكثرُ الدول ظُلمًا واعتداءً على حريات الآخرين، خذ لذلك مثلاً أمريكا وبريطانيا، وفرنسا والدولة اليهودية، هي دولٌ ديمقراطية بامتياز، لكن ديمقراطيتها لم تمنعْها مِن احتلال الدول، ونهْب ثرواتها، وقتْل رجالاتها، وتخريب مُدنها!

7) تقزيم حالةِ الإصلاح والدعوة إلى الاستعجالِ بيْن العنف والقتال المسلَّح مع الأنظمة، وبيْن الدخول في الانتخابات كما نَعلم عنكم رَفْض كلا الطريقين، فما الطريق الإصلاحي الثالِث؟
• هناك كلامٌ عام، وهناك كلام تفصيلي، والذي يمكن أن يُقال في هذا الموضع الكلام العام، أمَّا الكلام التفصيلي فأغْلَبه أن يكون في وقته؛ إذ الظروف والأوضاع القائِمة تُحدِّد كثيرًا من التفصيلات، وككلام عامٍّ يقال: الطريق الذي يَنبغي اتِّباعُه هو ما اتَّبعه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الدعوةِ إلى الإسلام بشمولِه، وليس إلى أحدِ أحكامه أو فروعه، والصبر والثبات على ذلك رَغمَ الشدائد والصعوبات، وعدم الرُّكون إلى الذين ظلموا، ثم مواجهة كلِّ ظرْف يستجدُّ بما يناسبه من الحُكم الشرعي، وهذا يعنى أنَّ القائمين على الدعوة لا يصلح أن يكونوا جميعًا من الدعاة إلى ترقيقِ القلوب، والزهد في الدنيا، بل لا بدَّ أن يكون على رأسهم العلماءُ المتضلِّعون في العِلم؛ حتى يمكنهم مواجهةُ ما يستجدُّ من مواقفَ بالتصرُّف الشرعي السليم، ولا يصلح ونحن في محاولةِ إعادة الأمَّة إلى سابق عهدِها أن نُهمِلَ شريعةً من شرائع الإسلام بزعْم أنَّ دول الغرب وكذلك السائرين في رِكابهم يرفضون هذه الشريعةَ ويحاربونها.

8) ما نَصيحتكم للإسلاميِّين العاملين في العِراق مِن ناحية العمل السياسي، والعمل المقاوم؟
• مِن المعلوم المستقرِّ عندَ كافة المذاهب: أنَّه إذا نَزَل الكفَّار ببلاد المسلمين، فقد وجَب على المسلمين مجاهدتُهم بأيِّ سبيل شرعي كان، وعلى المسلمين الذين ابتلاهم الله بذلك أن يَعْتَصموا بحبل الله تعالى جميعًا ولا يتفرَّقوا، ويرجعوا إلى الصادقين مِنَ العلماء؛ حتى تكونَ أعمالهم وتصرُّفاتهم على بصيرة، ولا يَنبغي أن نجعلَ المسميات "عمل سياسي - عمل مقاوم" ذريعةً للاختلاف والتناحُر، بل يَنبغي أن يصبَّ كلُّ ذلك في اتِّجاه تخليص بلادِ المسلمين مِن سيطرة الكفَّار وحُكمهم.

وليحذرِ المسلمون في تلك البلادِ وأشباهها من الرُّكونِ إلى الكفَّار، بزعم تحقيقِ بعض المكاسب، فإنَّ الكفار لا حقَّ لهم في نزول بلادِ المسلمين والتحكُّم فيها، وهم ما نزلوها إلا لمصالحِهم الخاصَّة، فلا يَنتظِر منهم خيرًا لبلاد المسلمين إلا واهمٌ يعيش في الخيال بعيدًا عن الحقائق.

9) كيف يمكن الجمْعُ بين فقه السياسة الشرعية، وبين التعامل مع العلاقات الدوليَّة، في ظلِّ زمنِ الضعْف، هل التنازُل عن بعض القناعات والقِيَم له حدودٌ معينة، أم أنَّ التنازل أمرٌ مرفوض في مجالِ السياسة الشرعيَّة؟
• العلاقات الدوليَّة لها في فِقه السياسة الشرعيَّة أحكامُها الخاصَّة بها، وهي موجودةٌ في مصنَّفات العلماء قديمًا وحديثًا، وإذا كان مِنَ المُسلَّم به أنَّ الدول تمرُّ بها فتراتُ ضعْف، فإنَّ الضعف ليس بمسوغ للتنازُل عمَّا طُلِب من المسلمين وكُلِّفوا القيام به، لكن من الممكن في زمنِ الضعْف أن يأخذ المسلمون بالرُّخْصة الشرعيَّة، ولا يلزمهم التمسُّك بالعزيمة في كلِّ آن وظرف، وقد يمكنهم تأجيلُ ما ليس لهم عليه قدرةٌ لحين القُدرة، مع الاستعداد الحقيقي لتحصيلِ القدرة المطلوبة، كما يمكنهم الموازنةُ بين المصالح والمفاسد، فيعملون على تحقيقِ أعلى المصلحتين بتفويت أدناهما، وتعطيلِ أعظم المفسدتين باحتمالِ أدناهما، لكن هذا في احتياجٍ إلى فقه وتقوى، وثقة بالله؛ حتى لا يندفع الناسُ في الوقوع في الأخطاء العظيمة تحتَ مسمَّى تحقيقِ المصالح وتعطيل المفاسد، ولا بدَّ مِنَ التمسُّك بالحقِّ والثبات عليه، حتى في زمن الضعْف؛ حتى لا يقع التلاعُب بالدِّين، وتغيير أحكامه الشرعيَّة.

10) الوَحْدة الوطنية كثيرًا ما يُدندنُ عليها بعضُ دعاة السياسة، ومنهم بعض الإسلاميِّين، فهل هذا المفهوم صحيحٌ على إطلاقه، أم يحتاج لتقييدٍ وإيضاح، وما رأي فضيلتكم في ذلك؟
• هناك ألفاظ عربيَّة المبنى غرْبِيَّة المعنى، وقد تسللت هذه الألفاظ إلى لُغة بعضِ الدعاة، وصارتْ من قاموسهم، منها اللفظ المذكور في السؤال، والحديث عن مِثل هذا لا يكون إلا في مجتمعٍ به تبايناتٌ دِينيَّة أو مذهبيَّة، أو عِرقيَّة أو سياسيَّة، ويكون المراد منها التآلفَ بيْن الجميع بغضِّ النظر عن هذه التباينات، وذلك على أساس الاشتراك في الوطن، وهذا الفَهْم له خطورتُه؛ لأنَّه يُغيِّب عامل الدين، وغالبًا ما يُتخذ شعار الوحدة الوطنية ذريعةً للجَوْر على بعض الجماعات التي يتكوَّن منها المجتمعُ؛ مراعاةً لمواءمات سياسيَّة، أو ضغوط خارجيَّة، لكن هذا التصرُّف إذا لم يكن متحريًا العدل والإنصاف، فإنه يجرُّ على المجتمع شرورًا وويلات هو في غِنًى عنها.

11) ظاهرة اختطافِ المسلمات المصريَّات من الأقباط النصارى في كنائس مصر، إلامَ تعزوها؟ وهل حصَل في السابق شيءٌ من هذا القبيل؟ وما سبب تشدُّد الكنائس لردَّة المسلمين عن دِينهم؟

هذه الظاهِرة ترجع في نَظري إلى أمور ثلاثة:
1- طُغيان الكنيسة وتغوُّلها بعدَ سيطرة تنظيم الأمَّة القبطيَّة عليها بتولِّي نظير جيِّد (شنودة) القيادة البابوية.

2- الضعْف الشديد للدولة في مواجهةِ طُغيان الكنيسة، وهذا الضعف له أسباب كثيرة.

3- غَفْلة المسلمين وسُكوتهم على ذلك.

والذي يتابع الحالةَ النصرانية يجد أنَّ الكنيسة تمرُّ بمأزق حادٍّ أفقدَها القدرةَ على التعامل المتَّزن مع الأحداث، وجعَلَها تتصرَّف بعصبية شديدة، فقد كثُر عدد التاركين للكنيسة والمُقبلين على الإسلام، حتى وصل الأمرُ إلى بيوت الكَهَنة، وهناك بعض الدراسات تذهب إلى انتهاءِ النصرانية في مصرَ في حدود قرْن مِن الزمان، إذا ظلَّ معدَّل التاركين لها على نفْس المنوال، وهو ما يفسِّر العصبيةَ الشديدةَ من قِبل الكنيسة في التعامل مع هذا الملف.

12) في هذه الفترة تَزايَد خطرُ الشيعة وسبهم لصحابة رسولِ الله - رضي الله عنه - والجُرْأة في بيان عقيدتهم الباطِلة، فإلامَ تَعزو ذلك؟ وكيف ترَى الحلَّ الصحيح لمواجهةِ إفْكهم وهذيانهم ضدَّ عقيدة الإسلام الصحيحة؟
موقف الشيعة من الصحابة - رضوان الله عليهم - ومِن أهل السنة والجماعة منذُ القديم على ما هو عليه اليومَ، كما هو مدوَّن في كتبهم ومراجعهم، ومِن قَبلُ كانتِ التقيَّة تغلب عليهم، أما اليوم فقد تخلَّى كثيرٌ منهم عن التقية في بيان عقيدتِهم في الصحابة وأهل السنَّة؛ وذلك يرجع في نظَري إلى أمور:
1- قيام دولة شِيعيَّة متعصِّبة تُدافع عن التشيع، وتعمل على نشْره في العالَم واخْتراق الحدود السُّنيَّة بكلِّ سبيل.

2- طِيبة بعض أهل السنَّة واغترارهم بدعواتِ التقريب والحِرْص على التآلُف ووَحْدة الكلمة.

3- رغبة الأمريكان في التمكينِ للشيعة على حسابِ أهل السنَّة، حيث لم يجدِ الأمريكان من أهل السنَّة إلا الصدودَ والمقاومة، بينما وجدوا من الشيعة التعاونَ أمامَ العدوِّ المشترك.

ولمواجهة المدِّ الشيعي لا بدَّ مِن التالي:
1- لا بد مِن إيقاف الدعواتِ إلى التقارُب مع الشيعة بكلِّ وضوح، فبعد طول تجارِب معهم، يظهر أنَّ هذه الدعوات استُغلّت على نطاق كبير في اختراق المجتمع السُّنِّي لنشْر المذهب الشيعي.

2- ينبغي توجيهُ العناية الشديدة لدعوة الشيعة إلى الحقِّ، وترْك ما هم عليه مِن الباطل، واستغلال كلِّ وسيلة ممكِنة لتحقيق ذلك، وخاصة الفضائيات الموجَّهة.

3- إدْخال مادة ثقافيَّة في المنهج الدراسي عن الشيعة بشكلٍ ميسَّر تبيِّن فيه عقائدَهم الفاسدة، وجناياتهم على مدى التاريخ الإسلامي.

4- التركيز في وسائلِ الإعلام والمناهج الدراسيَّة على الأعلام الذين يَقْدح فيهم الشيعةُ ببيان إيمانِهم وفضلِهم، وما قدَّموه للدِّين، أسأل الله تعالى مِن فضله أن يكفَّ بأسَ الظالمين، وأن ينصر المسلمين الصادقين في مشارقِ الأرض ومغاربها।
المصدر
شبكة الألوكة