بسم الله الرحمن الرحيم

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 29 يوليو 2008

السياسة من الإسلام (خطبة)

السياسة من الإسلام
(خطبة) للشيخ
د/رياض بن محمد المسيميري

الخطبة الأولى

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمَّداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان،
أمَّا بعدُ:

أيّها المسلمون:
فقد أنزل الله تعالى كتابه الكريم تبياناً لكل شيء، هدى ورحمه للمؤمنين، وشرع لنا سبحانه دينه القويم عصمة لنا من كل زلل وانحراف، وسنّ لنا سنن الهدى، ومعالم التقى، من أخذ بها فقد أخذ من الخير بنصيب وافر.
ولقد اقتضت حكمته سبحانه أن يتميّز هذا الدين بشموليته لجوانب الحياة كلها، صغيرها وكبيرها، بدءاً من آداب قضاء الحاجة، وإماطة الأذى عن الطريقة، وانتهاء بالكيفية التي يتم من خلالها مبايعة الإمام الأعظم لتولي مقاليد الحكم، وتصريف شؤون الدولة في داخل الحدود وخارجها.
وهذه الثوابت، من خصائص الإسلام لا يختلف فيها عاقلان، من عامة الناس وخاصتهم، إلا أن أعداء الإسلام، قديماً وحديثاً، ما زالوا يقذفون الشبه، ويثيرون قالة السوء لصد الناس عن دينهم وتوهين عزائمهم، وزعزعة ثقتهم بعالمية الإسلام، وشمول مناحي الحياة بأسرها.
فقد هبوا بقضهم وقضيضهم يحاولون بكل ما أوتوا من خبث ودهاء، ومكر وخديعة، يحاولون إقصاء الإسلام وإبعاده وتنحيته عن الحكم والتشريع، ليتسنى لهم نفث سمومهم، وتحقيق مآربهم وغاياتهم الدنيئة.
ولقد تولى كبر هذه الهجمة الشرسة على معتقدات الأمة ومسلماتها وثوابتها، تولى كَبَر ذلك كله الكفرة المجرمون، وأذنابهم من المنافقين، فهم مشغولون - اشغلهم الله - بالكيد لهذا الدين، ومحاولة حصره وقصره في زاوية من زوايا المسجد، كيلا يحطّم طموحاتهم ويهدد مخططاتهم الرامية لنشر التفسخ والانحلال وإغراق الأمة في بحر الشهوات والشبهات، وعزلها عن القيادة والريادة.
وهم لا يملّون ولا يسأمون من بث سمومهم وعرض شبهاتهم عبر صحفهم ومجلاتهم ورسائل إعلامهم، ويرددون بكل صفاقة وقلة حياء:
ما دخل الدين في السياسة؟!.
وما دخله في الاقتصاد والاجتماع؟!.
وما دخله في التربية والتعليم، والإعلام والتوجيه؟!.
أتقحمون الدين في كل شيء؟!، دعوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، إلى غير ذلك من الدعاوى الهابطة والشبهات الساقطة!.
وقد أمر الله تعالى بمجاهدة الكفار والمنافقين، وفضح دسائسهم وإبطال مزاعمهم، وتفنيد شبهاتهم، فهو القائل سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
وقال تعالى: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً).
وقال عليه الصلاة والسلام، فيما أخرجه مسلم في صحيحه، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم أنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون.
فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ومن وجاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".
ومن هنا وجب مقارعة الخصوم بالحجة، والقول المبين؛ استجابة لأمر الله ورسوله، ومعذرة إلى ربكم ولعلكم تتقون.
فأما قولهم، ما دخل الدين في السياسة ؟! فهو قول ساقط مردود، ينم عما في نفوس قائليه من شهوة التسلّط وإذلال الناس، والرغبة الملحة في استعباد قلوبهم، وإخضاعهم لأهوائهم ومطامعهم.
ولقد نسي أولئك المغفّلون مدى العناية التي أولاها الإسلام للنظام السياسي في الدولة المسلمة وسنة للتشريعات المحكمة الكفيلة بقيام العدل والمساواة، والقوة والانضباط.
وحدّد العلاقة بين الإمام والرعية وكفل لكلا الطرفين حقوقه المشروعة، وحدّد واجباته بكل وضوح موضوعية، فالحاكم حقّه الشرعي في النصرة والموآزرة والسمع والطاعة ما أمر بطاعة الله ورسوله، فإن أمر بمعصية فلا سمع له ولا طاعة.
وللرعية حقّها المشروع في الحياة الكريمة، القائمة أساساً على هدى الكتاب والسنة وتحكيم الشريعة في حياتهم، وإتاحة الفرصة كاملة كي تمارس الأمة واجبها في تحقيق العبودية الخالصة للدرب العالمين.
وبمثل هذا الفهم الشمولي قامت دولة الإسلام في المدنية على يد قائدها العظيم رسول الله محمد بن عبد الله عليه الصلاة للسلام، والذي لم يألُ جهداً، ولم يدخر وسعاً في وضع لبنات الدولة، وإقامة صرحها على تقوى من الله ورضوان.
وقد عاش المسلمون – آنذاك - أسعد عصورهم، يوم كان الإسلام هو الذي يحكم، وكانت الأمة آنذاك أمة الجهاد والفتوحات، بدءاً من دولة النبوة والخلفاء الراشدين، ومروراً بدولة بني أمية والعباس، وما أعقبهما من دول الإسلام المتعددة، وانتهاء بالدولة العثمانية والتي بسقوطها سقطت الخلافة الإسلامية.
وأحداث التاريخ شاهدة، وأخبار الفتوحات ناطقة بما حققه المسلمون من الانجازات الباهرة على الصعيدين العسكري والحضاري يوم تولى الخيّرون مقاليد الحكم والسياسة، وحكموا الشريعة في جميع مناحي الحياة وجوانبها.
وما كانت دول الكفر والإلحاد تجرؤ على التحرّش بالدولة المسلمة إلا في فترات الضعف التي كانت تنتاب دولة الخلافة أحيانا، نتيجة الضعف في تطبيق الإسلام من قِبَلِ بعض الخلفاء.
وبهذا يتبين مقدار الهيبة التي كانت تتمتع بها دولة الإسلام على مدى العصور، يوم كانت السياسة مستمدة من الكتاب والسنة.
أمّا حين أُقصي الإسلام عن الحكم والسياسة في معظم ديار المسلمين أصبح الحال كما ترى حال ذل وهوان وتخلّف وانحطاط لم تعهد الأمة له مثيلاً، فقد خربت الديار، واستشرى الفساد، وعم البلاء، وحلت النكبات المدمرة، وسادت الفوضى الخُلُقية، وانقطعت الروابط الاجتماعية والعلاقات الأسرية، واضطرب حبل الأمن، وأفلت المجرمون والقتلة، ولم يعد المقتول يدري فيما قتل، ولا القاتل فيما قتل.
وحين تولى المنافقون زمام الأمور هُزِموا في كل المعارك التي خاضوها، وأعقب ذلك سيطرة العدو وتسلطه، وممارسته وصاية ذليلة على سياسيات الأمة وتوجهاتها!.
كلُّ ذلك وأكثر نتيجة الزهد في تطبيق الإسلام، والإعراض عن هدي الكتاب والسنة.
فحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الواحد الأحد، الفرد الصمد، المتفرد بالجلال والكمال؛ يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويضر وينفع، ألا إلى الله تصير الأمور.
أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، واصلي وأسلّم على سيدنا وحبيبنا وعظيمنا محمد، إمام المتقين وسيد المرسلين، وقائد الغر المحجلين. أما بعد:

أيها الموحدون:
فإنّ مسألة فصل الدين عن الدولة، وأنّه لا علاقة للإسلام بالسياسة لم توجد إلا في أوربا، أيام الاضطهاد الكنسي، لرجال العلم.
أين ديننا الكريم هو من خرافات رجال الكنيسة حتى يأتي بعض الأقزام، فيستورد تلك السموم من أوربا ليلبس الإسلام قناعاً مزيفاً فيقول: الإسلام علاقة بين العبد وربه، وأما السياسة فلها رجالها ولها قضاياها، التي لا تمت إلى الدين بصلة؟!.
(كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً).
اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم عليك بكل ملة وكل نحلة وكل دعوة وكل فكر يناوئ الإسلام.

ليست هناك تعليقات: